يواصل القادة السياسيون ورجال الأعمال محادثاتهم في الاجتماع السنوي الرابع والخمسين للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا الذي تمتد أعماله من 15 إلى 19 يناير 2024.
وككل عام، توجّه أكثر من 60 رئيس دولة وحكومة، والمئات من أثرى أثرياء العالم، وقادة الأعمال والأكاديميين والفنانين، وقادة المنظمات الدولية إلى منتجع دافوس، لإجراء مناقشات عامة ومغلقة، حول أبرز مواضيع الساعة، في محاولة لتعزيز التعاون العالمي في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتحقيق أقصى استفادة لصالح المجتمع.
الذكاء الاصطناعي يخرج العملات المشفرة من دائرة الضوء
وفي تحول ملحوظ عن السنوات السابقة، برز الذكاء الاصطناعي كموضوع مهيمن، وذات أولوية في نسخة عام 2024 من المنتدى، إذ سيحظى هذا الملف الذي يتم التباحث به تحت عنوان “الذكاء الاصطناعي قوة دافعة للاقتصاد والمجتمع”، بحوالي 30 جلسة من المناقشات على مدار 5 أيام، في إشارة واضحة إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، بات يحتل صدارة اهتمامات العالم بعد ظهوره السريع في نهاية عام 2022.
وتزدحم أروقة منتدى دافوس بالحديث عن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتحوّلها إلى “الطفل الرائع الجديد”، الذي استحوذ على اهتمامات العالم، مما دفع بالعملات المشفرة إلى خانة المواضيع الأقل أهمية، بعكس ما كان يحصل في السنوات القليلة الماضية، عندما سيطرت “العملات المشفرة” على القطاع الرئيسي في المنتدى وقامت بالترويج لمنتجاتها.
المستقبل للذكاء الاصطناعي
تولّى الذكاء الاصطناعي زمام الأمور في دافوس 2024، الأمر الذي دفع بأكبر شركات العالم لإظهار براعتها في هذا المجال والترويج لمنتجاتها هناك، مع التركيز على أن “المستقبل هو للذكاء الاصطناعي”، فمثلاً عرضت شركة إنتل الأميركية “Intel” أحدث منتجاتها في صناعة أشباه الموصلات، في حين عرضت شركة البرمجيات السحابية Salesforce، لمنتجاتها وخدماتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
بالإضافة إلى ذلك، يتولى كبار قادة التكنولوجيا في العالم مثل الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، والرئيس التنفيذي لشركة OpenAI سام ألتمان وغيرهما، الترويج لأهمية الذكاء الاصطناعي خلال فعاليات منتدى دافوس 2024 ومناقشة الآثار المترتبة لهذه التكنولوجيا، في مشهد الأعمال ومدى قدرتها على تعزيز الإنتاجية وضرورة التزامها بالضوابط والقيود.
حضور باهت للعملات المشفّرة
رغم أن العملات المشفّرة والرموز غير القابلة للاستبدال لم تغب عن مشهد دافوس 2024، إلا أن حضورها أصبح باهتاً، بعد 8 سنوات من هيمنتها على الفعاليات التي ترافق انعقاد المنتدى، لتنقسم آراء المراقبين تجاه هذا التراجع، بين من يرى أن شركات العملات المشفرة، لم تعد بحاجة إلى إثبات نفسها ولذلك فإنه لا داعي للترويج لمنتجاتها بشكل كبير، وبين من يعتقد أن الذكاء الاصطناعي سرق الأضواء من العملات المشفّرة، التي أصبحت لاعباً قديماً لا يملك امكانيات احداث تحوّل جذري مثل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
نقلة نوعية للإنسانية
يقول رئيس جامعة دبي الدكتور عيسى البستكي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الذكاء الاصطناعي برنامج مستقر ومستدام، ونتائجه ستكون في الوصول إلى اقتصاد مستدام، وهذا ما أدى إلى توجه العالم نحو تكثيف استخدام هذه التكنولوجيا في كل مناحي الحياة، مما سيساعد في تحقيق نقلة نوعية للإنسانية من الناحية الاقتصادية والبيئية والمجتمعية، لافتاً إلى أن الذي سيفشل في تبني الذكاء الاصطناعي سيتأخر عن الركب الحضاري والأمن الاقتصادي، فالدولة التي لن تكرس جهودها لاستخدام الذكاء الاصطناعي، ستعاني من مشاكل اقتصادية ومناخية وعدم اكتفاء الانتاج الغذائي والاستهلاكي.
وشدد البستكي على أن الذكاء الاصطناعي أثبت نفسه بالتطبيقات المتعددة، في كل من مجالات الصحة والهندسة والزراعة والصناعة والفضاء والدفاع، والشرطة والطرق والعمارة والأدب والشعر والفنون والخدمات المختلفة، فهذه التكنولوجيا تلعب دوراً جوهرياً في تطوير وتسريع العمليات والخدمات، وتحسين دقة النتائج من خلال تقليل نسبة الأخطاء الى الصفر، ما سيزيد الإنتاجية ويساعد في تلبية احتياجات سكان العالم وهم في ازدياد مستمر.
ولفت البستكي إلى أن الذكاء الاصطناعي سيلعب دور المنتج لكل الاحتياجات الانسانية، وكذلك دور الناقل كتوزيع المنتجات الى الوجهات المطلوبة، ثم استهلاكها بأسلوب مستدام، فالذكاء الاصطناعي يلعب دوراً في ترشيد استهلاك الطاقة، وترشيد استهلاك الأغذية، وترشيد المواد الغذائية المختلفة، وبالتالي يحافظ على استدامة البيئة والاقتصاد والمجتمع، ويقلل من البصمة الكربونية، في وقت بات فيه موضوع الاستدامة حديث الساعة.
العملات المشفرة منتج غير مستقر
يرى الدكتور عيسى البستكي وهو رئيس جامعة دبي، أنه عندما نتحدث عن العملات المشفرة، فإننا نتكلم عن منتج غير مستقر مالياً، بحيث أن الأسعار غير مستقرة والخسائر والأرباح عشوائية، ولا تعتمد على نمط ثابت، كما أن العملات المشفرة غير مستقرة بيئياً، لأن من يقومون بتعدين هذه العملات، يستهلكون طاقات كهربائية عالية وكذلك عمليات حاسوبية ضخمة جداً، قد تقف في لحظة إذا لم تكن طاقة التشغيل كافية، لذا فإن العملات المشفرة هي منتج غير مستقر اقتصادياً، برغم أنه يظهر عكس ذلك كونه لم يدخل بعد في مرحلة عدم الاستقرار، في حين أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستساعد في ترشيد وزيادة كفاءة إنتاج الطاقة، وتطوير الجدوى الاقتصادية، بحيث تساعد في الحصول على المردود الاستثماري في مدة وجيزة، أي أن الاقتصاد العالمي سيعتمد على الذكاء الاصطناعي، لتطوير الاقتصاد المحلي والعالمي، وتقليل التكاليف وكذلك ترسيخ مبدأ استدامة الاقتصاد، ما سيؤدي الى تحسين الحياة المعيشية لكل فرد من الناحية الاقتصادية والبيئية والمجتمعية.
منتج لا يلاقي قبولاً واسعاً
من جهتها، تقول الكاتبة الاقتصادية رنى سعرتي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن تراجع العملات المشفّرة أمام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، كان نتيجة طبيعية للمصاعب التي واجهت العملات المشفّرة في السنوات الأخيرة، والتي تحوّلت إلى أداة للمضاربة، يتم استغلالها من قبل فئة معينة من الأشخاص، فحالياً يصعب اقناع الكثيرين بأن العملات المشفّرة قادرة على إحداث ثورة في مختلف الصناعات، وهذا ما يفسّر لامبالاة قسم كبير من الجمهور بها، وهو ما انعكس تبدلاً في أولويات الشركات في منتدى دافوس لهذا العام، فهم ليس بامكانهم الاستمرار بالتسويق لمنتج لا يلاقي قبولاً واسعاً في السوق، في وقت تحولت فيه اهتمامات قادة الأعمال في العالم، إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الواعدة جداً.
العملات المشفّرة ومظاهر الفساد
وتشرح سعرتي أن مفهوم الذكاء الاصطناعي مختلف تماماً عن مفهوم العملات المشفرة، فالذكاء الاصطناعي وجد للمساعدة في مجالات مختلفة، مثل الرعاية الصحية والتمويل والتسويق والإنتاج وهو أثبت قدرته على إدخال تحسينات في جميع هذه القطاعات، وعلى العكس من ذلك، فإن العملات المشفرة التي كان من المفترض أن تعمل في المقام الأول كبديل للأنظمة المالية التقليدية، عانت من التقلبات الكبيرة ومن مظاهر الفساد، التي تجلت بانهيار عدد كبير من العملات المشفّرة والشركات التابعة لها، ما أفقد الثقة بهذه الأصول.
وشددت سعرتي، على أن اهتمام العالم بالعملات المشفّرة لن ينتهي رغم تراجعه، ولكن أولوية قادة الأعمال اليوم هو الذكاء الاصطناعي، نظراً لقدرة هذه التكنولوجيا على إعادة تشكيل مختلف الصناعات، حيث يُجمع الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، ومن خلال السمات التي يمتلكها، سيوفّر فائضاً من الآفاق لأنشطة الصناعات، كونه بارعاً في معالجة وتحليل المهام بشكل سريع جداً، ولذلك قامت الشركات بتخصيص نفقات مالية لتطوير مجالات أعمالها وتنمية عوائدها الاستثمارية، من خلال تبني حلول الذكاء الاصطناعي في أعمالها، والاستفادة من العوائد الاستثمارية لهذه التقنية، في الوقت الذي تسببت فيه العملات المشفّرة بالكثير من الخسائر لهذه لشركات عندما تم الاعتماد عليها كعملة مستقرة.