تسببت الاضطرابات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر بفعل هجمات الحوثيين المستمرة على السفن، في زيادة الطلب على النقل بواسطة السكك الحديدية، لمواجهة تحديات أزمة الشحن التي تعاني منها التجارة العالمية.
ما يدفع خبراء ومهتمين للتساؤل فيما إذا كانت السكك الحديدية تمثل بديلاً للشحن البحري، أو إلى أي مدى يمكن أن تسهم السكك الحديدية في تعويض الارتباك في الشحن البحري؟
وذكر تقرير نشره موقع “سي إن بي سي” حول الاضطرابات في البحر الأحمر، أن:
وكلاء شحن أبلغوا عن ارتفاع الطلب على البضائع التي يتم إرسالها عبر السكك الحديدية من الصين عبر روسيا إلى أوروبا في ضوء الاضطراب الذي حدث في الطرق البحرية بسبب هجمات الحوثيين على البحر الأحمر.
شركات شحن تعرب عن مخاوفها بشأن مرور البضائع عبر روسيا، مع استخدام طريق السكك الحديدية “الممر الأوسط” عبر كازاخستان كبديل.
على الرغم من أن خطوط السكك الحديدية عبر روسيا لا تمثل سوى نسبة صغيرة جداً من الحاويات المنقولة بين الشرق الأقصى وأوروبا، إلا أنها شهدت ارتفاعاً طفيفًا في الاهتمام أيضاً.
شركات التجميع – الشركات التي تنظم شحن البضائع – تؤكد وجود زيادة حادة في الاستفسارات والحجوزات لمسار السكك الحديدية وأن هذا المسار أصبح أكثر جاذبية لشركات الشحن لأنه أرخص من الشحن الجوي وأسرع من استخدام النقل البحري.
الاتحاد الأوروبي يسمح بنقل البضائع الخاضعة للعقوبات عبر السكك الحديدية عبر روسيا (النقل البري للمنتجات الخاضعة للعقوبات محظور).
حجوزات خطوط السكك الحديدية بين الصين وأوروبا ارتفعت بنسبة 37 بالمئة خلال الأسابيع الأربعة الماضية، بسبب اضطرابات البحر الأحمر وفقاً إيجور تامباكا، العضو المنتدب لشركة Rail Bridge Cargo، وهي شركة لوجستية هولندية.
في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يقول الخبير الاقتصادي عبد الله الشناوي: “يمثل البحر الأحمر ممراً محورياً مستمداً أهميته من أهم ممر يربطه بالبحر الأبيض المتوسط وهو قناة السويس، موضحا أن التجارة العالمية تأثرت جراء ما يحدث به من اضطرابات تمثلت في هجمات الحوثيين، ما أدى الى تداعيات تمثلت في تقلص حجم التجارة نتيجة ارتفاع تكاليف الشحن بنسبة تصل إلى 250 بالمئة.
وأضاف أن ذلك قد انعكس على تأثر سلاسل الامداد بالنقص، وبالتالي ارتفاع التضخم على مستوى العالم، بالإضافة إلى أن باب المندب يمثل الطريق الرئيسي خاصة لشحنات النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا والولايات المتحدة”.
ورداً على سؤال حول إمكانية أن تلعب السكك الحديدية دوراً فاعلاً أو مكملاً ومساهماً لضمان المحافظة على تدفقات التجارة العالمية، يجيب الدكتور الشناوي: “إن التحديات الجديدة التي واجهت عمليات الشحن البحري ألقت الضوء على إمكانية النقل أو الشحن بالسكك الحديدية، مثال ذلك الشحن بين الصين وأوروبا، والذي بلغ حجمه ما يقرب من 945 مليار دولار في عام 2022″.
ومن المتوقع أن يتسارع النمو الهائل بالشحن بالسكك الحديدية، ومن العوامل التي تساعد على ذلك هو التحول في أنواع البضائع المنقولة حيث زاد التركيز على السلع ذات القيم العالية مثل أشباه الموصلات والهواتف وأجهزة الكمبيوتر ما أدى إلى زيادة لطلب على وسائل النقل الأسرع مقارنة بالشحن البحري، حيث لا يحدث تجميد كبير لرؤوس الأموال بالإضافة الى انخفاض تكاليف التأمين بحسب الشناوي.
كما يشير الخبير الاقتصادي إلى أن الشحن بالسكك الحديدية يعد بديلاً مرناً يترتب عليه مزايا أساسية تتمثل في درجة الموثوقية وفعالية التكلفة في وقت عدم الاستقرار البحري، ويعتبر كذلك أقل تكلفة مقارنة بالشحن البحري ما يجعل منه خياراً مفضلاً للشركات الساعية لتحقيق التوازن بين عاملي السرعة والتكلفة.
وذلك بالإضافة إلى مزايا أخرى تتمثل تحسين استدامة التجارة العلمية، وتأمين سلاسل الامداد، وتقليل انبعاثات الكربون، وكل ذلك يدفع بضرورة التعاون لتطوير ممرات السكك الحديدية، وتوفير حلول تكنولوجية وتحقيق استثمارات مالية وفكرية لتحسين البنية الأساسية المادية وغير المادية للشحن،
وحتى يلعب الشحن بالسكك الحديدية الدور الفاعل يتطلب ما يلي، بحسب الدكتور الشناوي:
توسيع البنية الأساسية للسكك الحديدية.
تطوير السكك الحديدية الاستراتيجية حيث يترتب على تعزيز قدرات السكك الحديدية والموائمة مع المشغلين الرئيسيين مساعدة الشركات على تنويع وتأمين خدماتها اللوجستية.
لا يترتب على توسيع البنية الأساسية زيادة الطاقة الاستيعابية للشحن فقط، بل يعزز درجة المرونة في مواجهة الاضطرابات المستقبلية، وبالتالي ضمان طرق تجارية موثوقة خارج البحر الأحمر.
وتجدر الإشارة إلى نقطة هامة مؤداها أنه لا يكفي الاعتماد على السكك الحديدية للشحن بل حتمية الاهتمام بدور” وكلاء الشحن” حتى يمكن التغلب على التحديات اللوجستية، وحثهم على تقديم حلول مبتكرة للحفاظ على تدفق البضائع حتى في الأوقات الأكثر سوءاً. حيث ان الشحن بالسكك الحديدية يحقق التوازن بين التكلفة والسرعة مع وجود طرق برية مستقرة تتجاوز المخاطر البحرية.
وفي ظل هذا الزخم، يرى الخبير الاقتصادي الشناوي أنه الأفضل الآن الاعتماد على ما يمكن تسميته “الشحن الهجين” الذي يجمع بين الشحن بالسكك الحديدية والشحن الجوي، حيث يوفر الأخير توصيلا أسرع، مع انخفاض درجة المخاطر، بالإضافة الى استخدام مساحات الشحن في باطن الطائرات.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية هاشم عقل في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “فيما يحارب الاقتصاد العامي للتخلص من أزمات يعانيها نتيجة الحرب الأوكرانية الروسية وعلى رأسها مشكلة التضخم حتى يفاجئ بأزمة جديدة في مضيق باب المندب أدت الى اضطراب في النقل البحري وما يتبعه من ارتفاع تكاليف نقل الحاويات وارتفاع أسعار الشحن إلى الضرر الذي ضرب موانئ البحر الأحمر وعلى رأسها قناة السويس، والتي تضررت بشكل كبير وفي وقت سيء للاقتصاد المصري الذي يعاني من أزمات اقتصادية وارتفاع نسب التضخم ونقص العملات الصعبة”.
هنا يتبادر إلى الذهن ..هل الحل في التحول إلى السكك الحديدية والطرق والأحزمة البديلة لتجنب الأـخطار البحرية؟
عقل يطرح التساؤل ويجيب عله بقوله: “في منتصف ديسمبر الماضي سارعت السعودية للموافقة على إنشاء جسر بري من بحر العرب إلى البحر المتوسط، وذلك عبر السماح للسلع الراسية في موانئ الخليج العربي باجتياز أراضيها على متن الشاحنات، وصولاً إلى ميناء حيفا.، حيث يمثل هذا المسار أحد الطرق البديلة لباب المندب وقناة السويس”.
الصين سبقت عصرها
ويرى عقل أن هناك طريقاً واحداً يساعد العالم الذي ضربته الأزمات المتلاحقة ويُتيح له التحرك جماعياً وهو بناء المزيد من الممرات بالاعتماد على السكك الحديدية لمساعدة العرض على تلبية الطلب مشيراً إلى أن الصين كانت الدولة الوحيدة التي أدركت هذا الأمر منذ سنوات، وبدأت التحرك بناءً عليه، من خلال مبادرة “الحزام والطريق”.
ويضيف عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية: “إن الصين أثارت استياء العديد من قادة الغرب في شهر أكتوبر الماضي، وذلك عندما اجتمعت بقادة وممثلي أكثر من 130 دولة في بكين للاحتفال بالذكرى العاشرة لإطلاق مبادرة الحزام والطريق على أنقاض طريق الحرير القديم، وكان استياء قادة الغرب من الاحتفال مشابهاً لما حدث مع إطلاق المبادرة قبل عقدٍ من الزمن، وذلك على اعتبارها تمثل خطةً لتقويض النظام العالمي الذي يقوده الغرب، بهدف وضع الصين في مركز شبكات التجارة العالمية”.
وأيضا يروّج رئيس الوزراء الهندي لممر تجاري مع روسيا مروراً بإيران، كما تتبنى بعض دول الخليج العربية تحالفات متعددة لتعزيز دورها كمفترق طرق جغرافي بين أوروبا وآسيا، وهناك الطموح التركي الذي يطرح بديلاً من البصرة إلى أوروبا عبر أراضيها وأيضا الممر الأوسط الذي تنقل عبره بضائع الصين وآسيا الوسطى إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.
كل ما تقدم يؤشر إلى أهمية السكك الحديدية في تطوير وتسهيل عملية وحركة التجارة العالمية والنقل عبر الدول لكن يبقى تميز النقل البحري بالقدرة والسعة وحجم النقل والشحن أكبر بكثير من السكك الحديدية، وخاصة في نقل البترول والغاز والمشتقات النفطية التي تحتاج إلى ناقلات ضخمة ومرافق تفريغ وخدمات لا تتوفر الآن إلا في الموانئ البحرية سواء في التحميل والتفريغ، طبقاً لما قاله الخبير الاقتصادي عقل.
سكاي نيوز